
كشفت الديناميكيات الثورية في الشهرين الأخيرين في لبنان عن وجود وانتشار ما يمكن أن يعرفه العديد من علماء النفس بالنرجسية والاعتلال النفسي في السياسة. وفقًا لعالم النفس البولندي أندرو لوباكوفسكي الذي كرس حياته المهنية لدراسة العلاقة بين الاضطرابات النفسية والسياسة، فإن السياسيين النرجسيين يتوقون إلى الاهتمام، ويشعرون بأنهم متفوقون على الآخرين ولهم الحق في السيطرة عليهم. كما أنهم يفتقرون إلى التعاطف، مما يعني أنهم قادرون على استغلال الناس وإساءة معاملتهم بلا رحمة من أجل السلطة. وقد تشعر الشخصية المعتلة النفس بالتفوق وعدم التعاطف، ولكن دون نفس الدافع للانتباه. وصف لوباكوفسكي مزيج النرجسية والاعتلال النفسي في السياسة بأنها “باثوكراسية”، مما يشير إلى الحكومات والأنظمة السياسية المؤلفة من أشخاص يعانون من هذه الاضطرابات – والمفهوم لا يقتصر بأي حال على أنظمة الماضي. من المهم الإشارة إلى أنه ليس كل من يصبح جزءًا من نظام الباثوكراسية يعاني من اضطراب نفسي. قد يكون بعض الناس ببساطة قاسيين وغير متعاطفين دون اضطراب نفسي كامل. وقد يتبع بعض السياسيين خط الحزب وليس الزعيم ويعتقدون أنهم سيكونون قادرين على كبح الدوافع المرضية للأشخاص المحيطين بهم. في الوقت نفسه، يسقط الناس المتعاطفون والعادلون تدريجياً. إما أن يتم نبذهم أو تنحيتهم أو يهربون بسبب الأمراض المتنامية حولهم إذ يحب المتعاطفون البقاء على الأرض والتفاعل مع الآخرين بدلاً من الارتقاء بأنفسهم، ولا يرغبون في السيطرة أو السلطة، ولكنهم يعملون من أجل التفاعل الإجتماعي والعيش المشترك، ويتركون تلك الأدوار القيادية شاغرة لأولئك الذين يتمتعون بسمات شخصية نرجسية ومعتلة النفس
ما هو الحل؟
لا بد من بناء ثقافة ديمقراطية التي هي وسيلة أساسية لحماية الناس من هؤلاء السياسيين. والمطلوب إجراء اختبارات للسلطة – ليس فقط للحد من ممارسة السلطة، ولكن للحد من تحقيقها إذ لا ينبغي السماح للأشخاص الذين يرغبون في السلطة أكثر من غيرهم بالحصول على مواقع السلطة. ويجب تقييم كل قائد محتمل لمستويات التعاطف أو النرجسية أو الاعتلال النفسي لتحديد مدى ملاءمتها للسلطة. وفقًا لعالم الأنثروبولوجيا كريستوفر بوهم، يجب تطبيق “تقنيات التحكم الاجتماعي في قمع كل من القيادة المهيمنة والقدرة التنافسية غير المبررة”. إذا حاول فرد مهيمن السيطرة على مجموعة من الناس، فعليهم أن يمارسوا ما يسميه بوهم بـ “فرض المساواة”. يتحدون إذاً ضد الشخص المستبد، وينبذونه أو يهجرونه”. في الوقت نفسه، ينبغي تشجيع الأشخاص المتعاطفين – الذين يفتقرون عمومًا إلى الشهوة للحصول على السلطة – على تولي مناصب السلطة. حتى لو كانوا لا يريدون ذلك، فيجب أن يشعروا بمسؤولية القيام بذلك. لا شك أن هذا الحل يستتبع تغييرات هائلة في الذهنية والنظام والمؤسسات لا يمكن أن تحصل في المدى القريب. لكنه قد يضمن أن السلطة في أيدي أشخاص يستحقونها، وبالتالي يجعل لبنان أقل عرضة للأزمات السياسية والاقتصادية